يمنات
ادوار الجميع بلا استثناء افرادا وجماعات وأحزاب وتكتلات ومنظمات ودول تجاه ما يحدث في مصر سيكون دورًا محوريًا في ما ستذهب اليه مصر , و ستؤثر جوهريًا في صياغة الواقع القادم لمصر .
الخير لمصر هو امر واضح ولا يحتاج لكثير من التفكير , ولا مجال للحيرّة فيه , فخروج مصر مما هي فيه هو من الخير لمصر , ولكن ليس أي خروج سيكون فيه الخير , فقد يكون الخروج الى حال من التعايش والاستقرار , وذلك هو الخير لمصر , وقد يكون العكس الخروج الى حال أبعد من الاضطراب والتصارع سيكون إلى التناحر وذلك شر لها .
الشرّخ الحاصل في مصر ليس بالشرّخ الهيّن , وهو ما يجب ان يضعه جميع من يحرصون على مصر نصب أعينهم عند التفكير في لعب دورًا ما تجاه ما يدور فيها . وبعيدا عن النسب التي يحوّزها هذا الفريق او ذاك من فرقاء مصر , لابد من التسّليم أن هناك إنقساما خطيرًا حاصلًا في مصر , وهو انقسام قد يتسبب في أن يضرّ فرقاء مصر ببلدهم جميعا , كما انه يجعل منها بيئة مؤهلة لعمل من يريد الاضرار بها من أعدائها .
واقعًا لا يمكن لأي فريق من فرقاء مصر أن يقصي الآخر ويكون في ذلك الاقصاء الخير لمصر , فالإقصاء الذي يمكن اعتباره ممكن لأي فريق تجاه الآخر هو الاقصاء الجزئي , فيمكن الإقصاء من السلطة مثلًا او من الحياة السياسية او من العمل التنظيمي وهكذا , وأبعد ما يمكن لأي فريق الوصول اليه في إقصاء الفريق الاخر هو أن يقصيه من العمل في الظاهر , و لكن لا يمكن على الاطلاق لأي فريق ان يجمّد الفريق الآخر تمامًا و أن يوقفه من التأثير في الواقع المصري لا ظاهرًا ولا سرًا .
على ذلك من يضع في أجندته العمل على اقصاء الفريق الآخر في مصر هو واهم , وعمله على ذلك سيقود مصر إلى الشر مهما تصور أنه سيقودها إلى الخير . البيئة الطبيعية – المفترضة – للفرقاء في أي مجتمع هي ” بيئة التنافس ” , و يحتاج كل فريق في هذه البيئة لان يجتمع له أكبر قدر من عوامل الإسناد الداخلية والخارجية , و حتى يتمكّن من جعل برنامجه أو اسلوبه او رؤيته أكثر حظ مما لدى الفريق الآخر . ومن خلال حاجة الفرقاء للإسناد في هذه البيئة يتحدد الدور الإيجابي الذي يمكن لأي طرف ان يلعبه تجاه الفريق الذي يهمه ان يكون اكثر حظ بين الفرقاء .
مصر الان ليست في ضل ” بيئة التنافس ” المفترضة ولكنها في غُب ” بيئة الصراع ” . وفي هذه البيئة يعمل كل فريق على النيّل من الآخر وليس على منافسته , ” فبيئة الصراع ” تفرض على كل فريق ان يوجّه ضرباته للآخر مختارًا أو مرغمًا ( كفعل وردة فعل ) , و توجيه الضربات في هذه البيئة يخضع لمعيار توفر الفرصة لأوجاع الخصم ولا مجال لأي حسابات اخرى , بما في ذلك حسابات ما اذا كانت الضربة ضارة بالجميع .
في ضوء “بيئة الصراع” الحاصلة في مصر الآن ليس أمام من أراد ان يلعب دورًا له علاقة بأحداثها إلا خياران ولا ثالث لهما . فإما ان يختار الدور الذي يترتب على القيام به الإسهام في العودة ” ببيئة الصراع ” هذه الى ” بيئة تنافس ” , وفي هذا الخيار يكون الخير مصر , او ان يختار الدور الذي يترتب عليه الاسهام في الذهاب ” ببيئة الصراع ” هذه الى ” بيئة العداء ” , وفي هذا الخيار سيكون الشر لمصر وسواءً قصد ذلك ام لم يقصده .
الدور الذي سيسهم في العودة بمصر من ” بيئة الخصام ” الى ” بيئة التنافس ” هو كل موقف يدفع بالفرقاء فيها للتخلي عن خصومتهم والجلوس للاتفاق على معالجات كفيلة بالقضاء على اسباب الخصومة , وعوده الجميع الى بيئة يحتفظ فيها كل فريق بكامل حقه في عوامل التنافس , وباختصار – في ” بيئة الخصام ” الحالية – الدور الذي سيكون فيه الخير لمصر هو الدور الدافع و المحفّز ” للإصلاح ” بين فرقاها ” .
الاصلاح ” يعني ان يلتزم الفرقاء بإتباع آلية إنسانية لحل المشكلات الحاصلة بينهما , فيتم فيها اولا التوقف عن توجيه الضربات ومن ثم التفاهم على رفع أي ظلم وتصحيح أي اخطاء والتعويض عن أي اضرار و تقديم ما يمكن من التنازلات من كل طرف تجاه الاخر و تقديم الضمانات اللازمة لأي طرف للمستقبل .
أي دور آخر – غير الدفع والتحفيّز على الإصلاح – سيلعبه البعض تجاه احداث مصر قد يكون من الممكن لمن يقومون به تبريره , و لكنهم لن يتمكنوا من جعله مساهمًا في الذهاب بمصر الى الخير مهما تصوروا ذلك . من سيلعب دوراً ساندًا لأي فريق ليتمكّن من توجيه الضربات للفريق الاخر , لكونه يرى انه الفريق الذي يسنده مظلوم او يراه صاحب حق او يراه الاصلح او يراه حليفا او منسجما معه , فعليه ان يضع في اعتباره ان هناك من سيسند الفريق الاخر لأنه يرى ذلك المظلوم ظالما او السالب لحق مسلوبا او الأصلح أضر ّ او الحليف او المنسجم هناك عدوا او مختلفا هنا , وبذلك سيتم الدفع ” ببيئة الصراع ” الحاصلة في مصر الى ” بيئة عداء ” دون قصد ذلك . كما يجب على الجميع ايضا ان لا يغفل من حساباته تحت تأثير ” نزق ” الاحداث بان هناك من يتربّص بمصر ويقصد ان يوقعها في الشر , والمصلحة من جانب هذا المتربص تكمن في ان يتقّوى كلا الطرفين وان يستمرا في صراعهما وان يذهبا فيه الى ابعد ما يمكن . ولن يتردد هذا المتربص بمصر في توظيف خطا من يريدون لها الخير في حساباتهم , وعدم مراعاتهم لحاجة ” بيئة الصراع ” الحاصلة في مصر عند القيام بأي دور له علاقة بما يدور في فيها . [email protected]